«بنماذج تاريخية».. دراسة: الشعبويون يضرون بالاقتصاد في بلدانهم
«بنماذج تاريخية».. دراسة: الشعبويون يضرون بالاقتصاد في بلدانهم
على مدى العقود القليلة الماضية، أصبحت الشعبوية ظاهرة متزايدة في السياسة العالمية، حيث تولى الشعبويون الحكم في العديد من البلدان، من إيطاليا تحت قيادة سيلفيو برلسكوني إلى تركيا مع رجب طيب أردوغان، ومن فنزويلا مع هوجو شافيز ونيكولاس مادورو، إلى البرازيل مع جايير بولسونارو، تم انتخاب هؤلاء القادة من قبل شعوبهم ليتصدروا المشهد السياسي، حتى الولايات المتحدة شهدت انتخاب دونالد ترامب في عام 2016، ولا تزال هناك إمكانية لتكرار هذه التجربة.
وتناول تقرير لمجلة “فورين أفيرز” الأبعاد الاقتصادية للشعبوية، وهو موضوع لم يُدرس بشكل كافٍ على الرغم من المناقشات العديدة حول تأثيرها على الأنظمة السياسية، حيث تسعى الدراسة لتسليط الضوء على كيفية تأثير الزعامات الشعبوية على الاقتصادات الوطنية من خلال تحليل بيانات تاريخية شاملة تغطي 120 عامًا و60 دولة.
الشعبويين يضعفون الاقتصاد
تشير النتائج إلى أن معظم الزعماء الشعبويين يضعفون الاقتصاد على المدى البعيد، يُظهر البحث أن الشعبوية لا تعالج المشكلات الاقتصادية، بل تُفاقمها من خلال تقويض سيادة القانون وتآكل الضوابط السياسية.
ووفق الدراسة، فإنه على الرغم من أن هؤلاء القادة قد يروجون لأنفسهم كحلول لمشكلات البلاد، فإن نتائج سياساتهم غالبًا ما تجعل الأوضاع أسوأ.
تظهر الدراسة موجتين رئيسيتين من الشعبوية في التاريخ الحديث، الأولى كانت في ثلاثينيات القرن العشرين أثناء الكساد العظيم، والثانية بدأت بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، واليوم، يُعتبر عام 2018 عامًا قياسيًا حيث حكم الشعبويون في 16 من أصل 60 دولة شملها المسح، ما يمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
الاختلافات بين الشعبويين
بينما تتجاوز الشعبوية الطيف الإيديولوجي، فإن هناك اختلافات ملحوظة بين الشعبويين اليساريين واليمينيين؛ يركز اليمينيون على الانقسامات العرقية والثقافية، بينما يهاجم اليساريون النخب الاقتصادية، ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن الشعبوية اليمينية شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
وتُظهر الأبحاث أن الشعبويين لا يختفون بسهولة، بل يسعون جاهدين لتعزيز فرصهم في الاحتفاظ بالسلطة من خلال استراتيجيات مثل الاستقطاب والتحريض، بالإضافة إلى تغييرات قانونية وإجراءات ضد الإعلام والمعارضة.
ونتيجة لذلك، يبقى الشعبويون في السلطة لمدة أطول، حيث تبلغ مدة حكمهم متوسط ست سنوات مقارنة بثلاث سنوات لحكام غير شعبويين.
الأثر الاقتصادي للشعبوية
تُظهر الدراسات أن الشعبويين يسببون أضرارًا اقتصادية كبيرة، خاصة على المدى الطويل، بعد 15 عامًا من الحكم الشعبوي، يُتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي أقل بنسبة 10% مقارنة بالدول غير الشعبوية.
ووفق الدراسة، يُمارس الشعبويون القومية الاقتصادية، حيث يفرضون تعريفات جمركية ويقللون من اتفاقيات التجارة، ما يُبطئ تدفق السلع والخدمات ويقوض الاستثمار الأجنبي.
وتشير الدراسة إلى أن الشعبويين لا يترددون في انتهاك القواعد القانونية وإضعاف المؤسسات الديمقراطية لتحقيق أهدافهم، ما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والاستثمار.
نماذج لآثار الشعبوية
يمكن رؤية آثار الشعبوية في أمثلة عدة، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبره الكثيرون نتيجة لشعبوية بوريس جونسون، أدى إلى ضعف الاقتصاد البريطاني مقارنة بالدول الأخرى، كذلك تسببت سياسات برلسكوني في إيطاليا في ركود اقتصادي مستمر، بينما أدت سياسات تشافيز ومادورو في فنزويلا إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، وعلى الرغم من ذلك، يُظهر بعض الشعبويين، مثل ترامب، نجاحات اقتصادية في فترة حكمهم، ما يوضح أن الأداء الاقتصادي ليس دائمًا مرتبطًا بالشعبوية بشكل كلي.
تشير نتائج الدراسة إلى أن الشعبوية تؤثر سلبًا على الأداء الاقتصادي على المدى الطويل، ما يتطلب اهتمامًا أكبر من الباحثين وصانعي السياسات لفهم آثارها المعقدة، لذا تجب دراسة الظاهرة بشكل منهجي لتقييم كيفية تأثيرها على الاقتصادات العالمية ومحاولة إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها.